الياس الرحباني… وداعاً بقلم الدكتور جورج شبلي
لا يُحيي رموزَ النّارِ والنّور، والجَمرِ والعطر، والماءِ والطّير، إلّا مَن رُزِقَ الصّفاءَ الأصيل، وبِرُقِيِّ الرقّةِ ترجمَ الذَّوقَ جَمالاً… هو الفنّانُ الذي وضَّبَ له إبداعُه حديقةً كثيرةَ الثّمار، والإبداعُ أداةٌ تُعربُ عمّا تريدُ القدرةُ الكونيّةُ أن تُصَوِّرَ، به، محاسنَ هذا الوجود. الياس الرحباني الذي اعتلى المنابرَ في نُصرةِ الموسيقى، وأصابَ أجناسَ النّغماتِ العِذابِ والمتكيِّفةِ مع مزاجِ النّاس، كأنّه ذاهبٌ الى تَزيينِ عرس. فجاءَت ألحانُهُ تُساهمُ مع الكلمات، وبِتَناسقٍ تامٍ، في خَلقِ كيانٍ فنّيٍّ حديث، شكّلَ فرادةً يصعبُ الإرتقاءُ إليها في هذا المِحور، كما جاءَ على أَلسِنَةِ كبارِ هذه الصّناعة. الياس الرحباني أستاذٌ أَنيقُ الجواهرِ في سُنَنِ التّلحين، الإبداعُ السَّلِسُ، معهُ، طَفحٌ فوقَ سطحِ أوتارِه، يُحَلّي بهِ النَّغمات، لتنسابَ الى القلبِ مُداعِبَةً حواسَه، فيَستَطعِمُ بالمُبتَكَر. ولأنّ ألحانَ الياس الرحباني بُنِيَت على سلامةِ التّركيبِ، وتَنزيلِ الزّخارف، وحُسنِ الدّيباجة، جاءَت تَسطيراً راقياً لأَلوانِ الإبداعات. وليس إِنحاءُ الرّحباني، في موسيقاه، على بَلِّ النّدى بالجَمال، سوى مَيلِه الى أن تبقى صُوَرُ تلاحينِهِ تختلطُ بأجزاءِ النّفس، في متعةٍ لا تنتهي. من هنا: هل يُسأَلُ الياس، بعدُ، ما إذا كانَت موسيقاهُ هي، فقط، من أجلِ الموسيقى؟ تتمة