المواطن: حقوقه وواجباته
المواطن: حقوقه وواجباته
من المناسب ربما أن يبدأ الحديث عن حقوق المواطن وواجباته بتحديد الآتي : من هو المواطن؟ نكتفي هنا بالإشارة الى أن ما يميّز المواطن عن السائح٬ أو الحاصل على إجازة إقامة للعمل أو للدراسة٬ أو الديبلوماسيّ٬ أو اللاجئ٬ وغير ذلك٬ هو أنه ينتمي الى أرض وشعب ودستور. إلاّ أنّ هذا الانتماء المثلّث الأبعاد٬ وكونه انتماءً يكون للشخص هويّة مميّزة وفريدة٬ فإنّه يرتكز حتمًا على علاقة أساسيّة وثابتة٬ أوّلاً بالمكان٬ أي بالجغرافيا٬ وثانياً بالناس٬ أي بالشعب الذي ينتمي إليه٬ تاريخاً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً٬ حضارةً وثقافةً ولغةً٬ وثالثاً بالسلطة التي ترعى الشأن العام٬ أي بالدستور الذي يحدّد الأنظمة السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والاجتماعيّة والذي ارتضاه الشعب _ مصدر كلّ السلطات _ نظاماً له يعلو على كلّ الأنظمة الفئويّة والطائفيّة والحزبيّة والعشائريّة٬ إلاّ اذا أدرجت تلك الأنظمة في السياق العام لمواد الدستور.
على هذا الأساس يمكن أن نتحدّث عن حقوق المواطن وواجباته. إنّ حقوق المواطن عموماً هي متعدّدة ومتشعّبة٬ وهي ثمرة مسيرة طويلة في حياة الشعوب. كان الانسان الفرد٬ في القرون السافلة٬ لا قيمة كبرى له٬ لأنّ القيمة الأساسيّة كانت للجماعة على حساب الفرد.
والجماعات تنضوي تحت شتّى الأشكال: العائلة الموسّعة٬ العشيرة٬ القبيلة٬ أبناء الحرفة الواحدة٬ الرعيّة٬ الطبقة٬ الطائفة٬ المذهب٬ وغير ذلك...
ومع التطوّرات الاقتصاديّة والسياسيّة والفلسفيّة والثقافيّة والاجتماعيّة٬ اتّخذ الإنسان الفرد مكانة مميّزة في المجتمع٬ ويُعطى٬ بصفته الانسان٬ قيمة مطلقة. ولعلّ الاعلان العالميّ لحقوق الانسان الصادر عن منظمة الأمم المتّحدة عام 1948٬ شكّل بداية عولمة لإرساء حقوق الانسان الفرد الأساسيّة. وتبعت ذلك معاهدات واتفاقات وشرعات دوليّة تفصل حقوق الانسان في مختلف نواحي الحياة الجماعيّة.
التزم لبنان تطبيق الاعلان العالميّ لحقوق الانسان ومواثيق الأمم المتّحدة٬ ونصّ على ذلك في مقدّمة دستوره. إلى ذلك٬ فالدستور اللبنانيّ ينصّ حرفيًّا على العديد من حقوق المواطن سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا. ومن تلك الحقوق٬ على سبيل المثال لا الحصر:
" تمتُّعً كلّ اللبنانيّين بالسواء بالحقوق المدنيّة والسياسيّة ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم (المادة7). ويضمن الدستور اللبنانيّ الحريّة الشخصيّة (المادة8) والحريّة المطلقة في الاعتقاد (المادة9)، والتعليم الحرّ من جهة إنشاء المدارس الخاصّة (المادة10) ٬ والحقّ لكلّ لبنانيّ في تولّي الوظائف العامة بلا ميزة لأحد على الآخر إلاّ من حيث الاستحقاق و الجدارة (المادة12) ٬ والحقّ لكلّ لبنانيّ بلَغ من العمر 21 سنة كاملة في أن يكون ناخبًا على أن تتوفّر فيه الشروط المطلوبة بمقتضى قانون الانتخاب (المادة 21) وغير ذلك..."
والى بنود الدستور التي تحدّد حقوق وواجبات المواطن الأساسيّة٬ هناك التنظيم الاجتماعيّ الذي٬ انطلاقًا من الدستور٬ وبناء على القوانين والمراسيم٬ يسهر على تأمين حقوق المواطن تفصيليًّا وفي كلّ الميادين. وتقوم بهذا التنظيم الاجتماعيّ المؤسّسات التي تتولّاها الدولة٬ والمؤسّسات الأهليّة من جمعيّات وروابط وأندية ونقابات اجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة. ويوفّر هذا التنظيم نوعاً من الأمن الاجتماعيّ للمواطن.
هكذا٬ ونتيجة لهذا التنظيم الاجتماعيّ المبني على الدستور والقوانين اللبنانيّة والمواثيق الدوليّة٬ لا بدّ من الاعتراف بحقوق الأفراد والعمل على توفيرها لهم. من تلك الحقوق٬ ولا سيّما في الميدانين الاقتصاديّ والاجتماعيّ:
أ- الحقّ في العمل بحيث يُفسح المجال أمام كلّ فردٍ لكسب المعيشة عن طريق العمل الذي يختاره أو يقبله بحرّيّة.
ب- الحقّ في التمتّع بشروط عمل صالحة وعادلة حيال ظروف العمل والأجر.
ت- الحقّ في الضمان الاجتماعيّ.
ث- الحقّ في التملّك.
ج- الحقّ في التعلّم والثقافة من أجل التنمية الشاملة للشخصيّة الإنسانيّة.
ح- الحقّ في الطبابة والدواء.
خ- الحقّ في تشكيل الجمعيّات والنقابات والانضمام إليها...
إنّ هذه الحقوق المذكورة أعلاه تضمّنتها عمومًا شرعة حقوق الإنسان٬ ومن ثمّ توسّع فيها الاتّفاق العالميّ في شأن الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة٬ والذي صدر عام 1966. هذا الاتّفاق جاء نتيجة التطوّر الذي حصل في المجتمعات الغربيّة٬ ولا سيّما بعد الثلث الأوّل من القرن العشرين.
وفي لبنان٬ جاء قانون العمل٬ عام 1946 ٬ لينظّم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال والمستخدمين٬ وليضع أسسًا اجتماعيّة واقتصاديّة في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات. ثمّ صدرت تباعًا مراسيم وقرارات عدّة تهدف إلى انصاف العمال٬ ومن أهمّها القانون الصادر عام 1963 الذي أنشأ الضمان الاجتماعيّ بفروعه الأربعة: ضمان المرض والأمومة٬ ضمان طوارئ العمل والأمراض المهنيّة٬ التعويضات العائليّة وتعويض نهاية الخدمة. وفي عام 1998 صدر قانون يمنع تشغيل الأطفال قبل سنّ الثالثة عشرة مكتملة. وفي عام 1975 صدر الإعلان العالميّ حول حقوق المعوقين عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة. وبفضل الدور الذي قامت به الجمعيّات الأهليّة المتّهمة مباشرة بالمعوّقين٬ أنشأت الدولة اللبنانيّة٬ في عام 1977 ٬ دائرة لتأهيل هؤلاء وتدريبهم في وزارة الشؤون الاجتماعيّة.
... وفي الحديث عن حقوق المواطن وواجباته يحكى الكثير عن الحقوق والقليل عن الواجبات٬ وهذا أمر غير مستغرب. فمن جهة٬ يشكّل اكتساب الحقوق٬ والمزيد منها٬ أمرًا مرتبطًا بالتطوّر الاقتصاديّ والاجتماعيّ المتسارع في كلّ المجتمعات. ومن جهة أخرى٬ تبدو طبيعة الواجبات ذا وجه شبه ثابت٬ وخصوصًا لأنّ معظمها مرتبط بالقيم الأدبيّة والأخلاقيّة الشاملة.
رغم ذلك٬ من الضروريّ ألّا ينسى المواطن أنّ عليه واجبات يجب أن يقوم بها٬ وعليه حقوق يجب أن يحصل عليها. على هذا الأساس٬ نذكر٬ في ما يلي٬ أهمّ واجبات المواطن:
أ) ربّما المبدأ الأساسيّ والشامل الذي يلزم المواطن القيام بواجباته هو: احترام القانون وتطبيقه في دولة القانون. فالقانون وضع أساسًا كي ينظّم العلاقات بين الناس٬ وبينهم و بين السلطة. وعلى كلّ مواطن أو مسؤول أن يعلم أنّ تجاوزه القانون هو مسّ بالعلاقات المجتمعيّة السليمة٬ وانتهاك لمضمون القيم المدنيّة.
ب) من أشكال احترام القانون عدم التعدّي على ملكيّة الآخرين٬ إلى جانب أشكال العنف المتنوّعة التي تتزامن مع التعدي على ملكيّة الغير.
ج) من واجب المواطن المحافظة على الأملاك العامّة وحمايتها من الانتهاكات لأنّها وجدت لخدمة الجميع.
د) اقتصاديًّا على المواطن واجب دفع الضرائب المنصوص عليها في القوانين. فخزينة الدولة هي ملك جميع المواطنين وليست ملك الحكومة. وحقوق المواطن في الخدمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة لن تتأمّن اذا ما تقاعس المواطن عن القيام بواجباته الضريبيّة للدولة.
ه) من واجبات المواطن الحفاظ على سلامة البيئة العامّة٬ وألّا انعكس تدهور الجو البيئّي العام عليه سلباً.
و) قد لا يفطن كثيرون إلى انّ الاقتراع هو ليس حقاً من حقوق المواطنين بل هو أيضاً واجب٬ فالامتناع عن الاقتراع يضعف نسبة التمثيل الشعبيّ.
ز) أخيراً٬ لا آخراً٬ من واجب المواطن الحفاظ على سلامة الآخرين الجسديّة. ونلفت هنا٬ في شكل خاص٬ إلى وجوب التقيّد بقوانين السير. فالاستهتار في هذا الموضوع يوقع سنويًّا مئات الضحايا من المواطنين الذين لا ذنب لهم إلّا أنّهم وجدوا في طريق سائق متهوّر قضى عليهم وعلى نفسه بسبب عدم تقيّده بالقوانين.
( يراجع في ذلك: مشروع الاعلام والشباب، مهنيّة ومسؤوليّة، الدليل إلى المفاهيم العصريّة للحكم الصالح)