فريد الأطرش
ولد فريد الأطرش في شتاء سنة 1917 في بلدة القريّة في محافظة السويداء من الأمير فهد الأطرش إبن عم سلطان باشا الأطرش والأميرة علياء المنذر ابنة جبل لبنان. وهذا الجمع بين جبل العرب وجبل لبنان هو الميزة الأولى في تكوينه. قضى السنين الأولى من حياته بين مسقط رأسه وبيروت وبلاد الأناضول حيث تولّى والده حاكميّة قضاء ديمرجي بأمر من السلطان العثمانيّ حتّى سنة 1918 حيث ولدت أصغر إخواته آمال (أسمهان).
وتنوّع المشارب في الطفولة الأولى هو الميزة الثانية. توفّي أخ له، أنور، في سن مبكرة في ديمرجي كما قضى خاله المفضل والرخيم الصوت في ريعان الشباب. ثمّ توفّيت في بيروت أخت له، وداد التي تلي فؤاد في العمر. فبقي للأم ثلاثة أولاد أكبرهم فؤاد (1912) وأصغرهم فريد وآمال. وهذا الفقدان هو تجربة الفقدان الأليمة الأولى في محيط العشّ العائليّ.
لما اشتعلت الثورة الدرزيّة الوطنيّة سنة 1924 هرب إلى مصر، وكان معدماً فقيراً. فباعت والدته مجوهراتها وثيابها لكي تشتري له وأخوته لقمة العيش.
دخل مدرسة الفرير المجانيّة بعد ان وجدت أمّه فيها خير ملجأ يقيه من البطالة والجهل. عاش مع اقرانه وشعر بوطأة الفقر فتحفز إلى ان يسعى جاهداً لكسب قوته بعرق جبينه. كانت والدته تعزف على العود بمهارة وصاحبة صوت رائع وكانت تترجم أحزانها وهي تردّد لولدها الأصغر أنغاماً حزينة في كل مناسبة خاصّة أثناء النوم وهذه هي الترجمة الحزينة الفعليّة للإحساس. فتعلّم العزف على هذه الآلة وانضمّ إلى فرقة الأناشيد بالمدرسة. فاكتشفوا إنّ له إذنأً موسيقيّة وصوتاً صالحاً للتراتيل. فكان يذهب إلى الكنيسة ليشارك بالتراتيل، وانتقل من أناشيد ألى أغاني عبد الوهاب فحفظ بعض مقطوعاته ومنها "كلنا نحب القمر" "سكت ليه يا لساني". اشتغل بعد ذلك ملحّناً ومغنّياً في صالة السيدة ماري منصور لقاء ثمانية جنيهات في الشهر. فكان يجرّب ألحانه مع شقيقته أسمهان. ثم لحّن للمطربة عليه فوزي ولإبراهيم حموده.
عمل بعدئذ عوّاداً في تخت الأستاذ ابراهيم حمّوده لقاء أربعين قرشاً في الليلة الواحدة. ترك الفن والتحق بمحلّات ""بلاتشي" مندوباً للإعلانات فكان يرافق موزّع إعلانات المحلّات في مناسبات "الأوكازيونات" وأمّا في المساء فكان يتابع دراسته بجدّ وإهتمام، إلى ان التقى يوماً بالأستاذ مدحت عاصم فطلب إليه ان يقدّم عزفاً منفرداً في الإذاعة، ولما استمعت اليه اللجنة المشرفة على الأغاني والمطربين في الأغنية "سكت ليه يا لساني" رغبت إليه وطلبت ان يقدّم اغاني جديدة فكانت أوّلها "بحب من غير أمل" التي لاقت نجاحاً كبيراً. فذاع صيته كمطرب جديد فتهافتت عليه شركات الأسطوانات فصار يقدّم كل جديد من الفنّ وينتقل من نجاح إلى آخر حتّى ظهر على الشاشة في أوّل فيلم له "إنتصار الشباب" مع شقيقته اسمهان فجمع في فيلمه هذا الألوان الموسيقيّة والغنائيّة المختلفة وأدخل أوّل مرّة "الأوبريت" في الغناء العربيّ. ظهر في إنتصار الشباب، أحلام الشاب، جمال ودلال ، شهر العسل، ما اقدرش، حبيب العمر، بلبل افندي، احبك انت، آخر كذبة، لحن الخلود، رسالة غرام، عهد الهوى... . أهدى كثيرًا من الألحان والأغنيات لأشهر المطربات. اشترك في تقديم برامج خاصة في الإذاعات العالميّة والعربيّة. أحيا حفلات الملوك والأمراء العظماء. غنّى في حفلات زفاف الملك حسين، ملك الأردن فنال نجاحًا لم ينله مطرب من قبل. يحمل عدد من الأوسمة الرفيعة انعمت عليه الحكومات التي قدّرت مكانته كفنّان كبير.
اشترك فريد الأطرش في 31 فيلماً سينمائياً كان بطلها جميعها وقد انتجت هذه الأفلام في الفترة الممتدة من السنة 1941 حتّى السنة 1975. أشهر الأفلام على الإطلاق والذي جنى منها ارباحاً طائلة هو فيلم حبيب العمر لأنه مثّل قصّة حب حقيقيّة. كان فريد الأطرش يختار القصص بعناية وبالذات القصص التي تتقاطع ولو قليلًا مع قصّة حياته. وفي فيلم ودّعت حبك الذي اثار ضجة كبيرة في عرضه بسبب وفاة البطل في النهاية فلم يعد يقنع المتفرجين سوى خروج فريد فاتحاً الستار ليقول للمتفرّجين أنا لم أمت. كتب الباحثون عشرات الكتب التي تناولت فريد الأطرش وقد تناولوا جميع النواحي الاجتماعيّة والفنيّة والحياتيّة والعاطفيّة وغيرها... . غنّى فريد الأطرش كلمات كثيرة من شعراء عصره وأشهرهم: احمد بدرخان- احمد خميس- احمد رامي- احمد شفيق كامل- احمد منصور- الأخطل الصغير (بشارة الخوري)- انور عبدالله- بديع خيري- بيرم التونسي- توفيق بركات- حسين السيد- حسين شفيق المصري- خالد الفيصل- ابو السعود الأبياري- فتحي فوده- كامل الشناوي- مامون الشناوي- محمود فتحي ابراهيم- مدحت عاصم- ميشال طعمه- يحيى اللبابيدي- يوسف بدروس... .
كما لحّن فريد الأطرش لعدد من الفنانين والفنانات العرب ومن اشهرهم: اسمهان- سميرة توفيق- تحية كاريوكا- سامية جمال- شادية- فايزة احمد- صباح- وديع الصافي- عصام رجي- نور الهدى- وردة الجزائرية- فهد بلان- محرم فؤاد... .
فريد الأطرش انتشر عالميًّا وتعدّى حدود المناطق العربيّة وتأثّر به فنّانون أجانب من مختلف الدول الغربيّة وحتّى تمّ تدريس ألحان فريد في بعض المدارس الموسيقيّة... . ومن المشهورين الأجانب الذين غنّوا لفريد الأطرش: اسطورة الغناء الروسيّ فلاديمير تروشين يغنّي يا زهرة في خيالي والسوبرانو الكنديّة إيزابيل بايركادريان تغنّي تانغو يا زهرة في خيالي وغيرهم كثيرين...... غنّوا لفريد الأطرش.
كان أحد الفرسان الثلاثة، مدحت عاصم على البيانو وفريد غصن وهو على العود، الذين اشتركوا بتقديم الكثير من الوصلات المتنوّعة حتّى طلب منه مدحت عاصم أن يسجّل أولى أغنياته:"ياريتني طير لأطير حواليك" والتي كانت سببًا في شهرته كمطرب قبل أن يقوم بتلحين أولى أغنياته:" بحب من غير أمل" التي كانت هي أيضًا سببًا في شهرته كملحّن.
لن نسهب ببقية التفاصيل المليئة بالتجارب السعيدة والمريرة التي توجها فقدان توأم روحه أسمهان والذي أعطى صوته هذه السمة الحزينة التي رافقته حتّى مماته والتي عبّر عنها بمقطع من أغنية "يا حبايبي يا غايبين" حين يقول "إزاي يجري ده كله لقلبي والقى الناس كلها حوالي إلا أعز حبايبي" طبعًا المقصود هنا أخته وشريكته في الإبداع وأمّه مصدر عبقريّته الموسيقيّة.
ونختم بأنّ تجربة من هذا النوع متوّجة بانفتاح على كل ألوان العالم العربيّ التي مهرها بكل خصائصها واحتكاكه بالعالمين الغربيّ والشرقيّ ومشاربهما جعله فريد الإنتاج عالميّ الشهرة لذا أطلق عليه صفة pan –world وpan-arab ولذا وضع إسمه مع كبار الموسيقيّين العالميّين.
توفّي أثر أزمة قلبيّة في مستشفى الحايك _ سن الفيل في 26-12-1974.
(المرجع: لجنة تكريم رواد الشرق_ قصر الأونيسكو_ بيروت _ حفل تكريم فريد الأطرش بتاريخ 19/10/2015)