مستشفى بعبدا الحكوميّ الجامعيّ
مستشفى بعبدا الحكوميّ الجامعيّ
يعود تاريخ تأسيس مستشفى بعبدا الى عهد المتصرّف مظفر باشا عام 1902، يوم اشترى الأهالي في بعبدا قصرًا لأحد الامراء الشهابيين غرب السرايا وقدّموه هبة للدولة لإنشاء مستشفى للصحّة والطبابة، فكان مستشفى بعبدا الحكوميّ عام 1905، ووضع حجر الأساس في 31 تشرين الأوّل 1945، وتمّ افتتاحه في عهد الرئيس بشارة الخوري كأوّل مستشفى لجبل لبنان في مطلع كانون الثاني 1950، وحوّل إلى أوّل مركز طبّيّ جامعيّ تابع لكليّة العلوم الطبّيّة في الجامعة اللبنانيّة عام 1988.
جاء في سجلّات مجلس الإدارة أنّه: في مطلع القرن العشرين، وفي عهد متصرّفيّة المغفور له مظفّر باشا (1902-1907) بحث نفر كريم من أعضاء مجلس الإدارة وكبار موظّفي حكومة لبنان في وجوب إنشاء مستشفى خاص بالمسجونين، لأنّ السجن كان في الطابق الأرضيّ من دار الحكومة في بعبدا، وفي زاويته غرفة مظلمة يعزل فيها من يصاب منهم بمرض. فكلّف أصحاب الفكرة زميلين لهما هما المرحوم ناصيف بك الريّس رئيس القلم التركيّ والمرحوم خليل بك الخوري رئيس القلم العربيّ أن يعرضا هذا الرأي على المتصرّف .
وافق مظفر باشا على الفكرة وقال بأن يكون المستشفى قسمين: أحدهما للمسجونين والثاني للجند، وعهد إلى زوجته أن تعمل مع لجنة من خيار الموظفين برئاسة المغفور له خليل بك الخوري لتحقيق المشروع . وفي 31 نوّار سنة 1905 اتّخذ مجلس الإدارة القرار التالي:
مضبطة رقم 763:
" تقرر وجوب بناء خستخانة في مركز بعبدا لأنّه استفيد من تقرير طبيب المركز المتصرّفيّ الوارد بعدد 861 إنّ الخستخانة الحاليّة لا تصلح لمعالجة مرضى العسكريّة لضيق غرفها وعدم تنظيمها بحسب قوانين الصحّة٬ لا تتجاوز نفقة البناء المحرّر وثمن أرضه ستّين ألف قرش٬ معاملة دارجة٬ فإذا لاق يصدر الأمر الكريم بإجراء ذلك بواسطة هذا المجلس ومهندس البناء ... .
وبدأت اللّجنة عملها في مطلبين: الأوّل إيجاد المال اللازم٬ والثاني إيجاد الأرض الصالحة للبناء٬ فأخذت تجدّ وتكافح في سبيل المال٬ وكتبن إلى مختلف المقامات والهيئات وأصحاب المروءة والحميّة تستحثّهم على مساعدتها٬ فلبّاها الكرام. وفي 13نوار 1906 أقامت سوقًا خيريّة في جنينة رستم باشا كانت الأولى من نوعها في هذه الديار٬ ودعت إليها قناصل الدول الأجنبيّة وأعيان البلاد ووجوهها٬ فجمعت مبلغًا محترمًا كان نواة المشروع.
وكان المرحوم ملحم بك أبو شقرا (أمير الجند اللبنانيّ) ٬ قد اشترى قطعة من الأرض غربيّ سراي بعبدا٬ على هضبةٍ رائعة المناظر٬ تطلّ على السهل والجبل٬ تعرف بحارة القبة٬ ليبني عليها مسكنًا له٬ وقد بدأ بناء الأساس فيها٬ ولكن الأجل وافاه وهو في بدء عمله فاشترى مظفّر باشا الأرض من ورثته في 27 نوار سنة 1906 بمبلغ قدره خمسة وعشرون ألف قرش ليقيم فيها المستشفى المنشود.
وفي 6حزيران سنة 1906 صادقت دائرة الحقوق الاستئنافيّة على صكّ البيع.
وفي عهد فرنكو باشا٬ وقبيل إنجاز بناء المستشفى٬ بإدارة كاسبار نافيليان مهندس المتصرفيّة٬ توفّي مظّفر باشا فخلفه المغفور له يوسف فرنكو باشا. وهو ذو معرفة بلبنان٬ وعلى عهد به٬ منذ متصرفيّة أبيه المرحوم نصري فرنكو باشا. ومتصرفيّة صهره المرحوم نعوم باشا٬ ولم يطل المقام به حتّى أعلن الدستور العثمانيّ (1908) فأنشئت في حكومة المتصرفيّة دائرة جديدة باسم "دائرة النفوس" لتزويد المسافرين اللبنانيّين بتذكرة (جواز سفر) تثبت لبنانيّتهم وميزتهم المستقلّة٬ وفرضت الحكومة ريالًا مجيديًّا واحدًا ثمنًا لكلّ تذكرة٬ أرصدته لنفقات المستشفى.
ومن المعلوم أنّ الدكتور الياس الخوري الذي كان وزيرًا يومها، سمّى المستشفى "قرش الفقير"، وصار يجمع التبرعات من أهالي جبل لبنان للبناء والتوسيع.
وفي عام 1963، رأت الحكومة أن المستشفى صغير وبالتالي يجب أن يتم توسيعه، فشيّدت لهذا الهدف مبنيين، يؤلف كلّ منهما من 15 طابق وانتهى ذلك عام 1966، وما زالا حتى يومنا هذا "على الباطون"، ولذلك سمّي "مستشفى الباطون" ويعود ذلك الى أسباب الحرب وغيرها من العوامل.
وفي العام 1970 صادرت الحكومة الأملاك المحيطة بالمستشفى، وهي عبارة عن عقار تابع للرهبانيّة الأنطونيّة وآخر تابع لعباس الحلو، بما يعادل العشرة آلاف متر للأوّل و3500 متر للثاني، وقد صودرت بحجّة إنشاء موقف خاص لسيارات المستشفى. وبعد مضيّ عشرة أعوام لم تستوف الشروط التي تم الاستملاك لأجلها، وقدّم الأهالي دعوى لاسترجاع الأرض، وهذا ما تمّ فعليًّا وعاد الحقّ إلى أصحابه".
عام 2000 انفصل المستشفى عن الجامعة اللبنانيّة بعد صدور مرسوم إنشاء المؤسّسة العامة التي تتولى إدارة مستشفى بعبدا الحكوميّ، وعيّن مجلس إدارة لمدّة ثلاث سنوات برئاسة عميد كليّة الطبّ الدكتور فيليب شديد وعضويّة خمسة أطبّاء من مجلس الكليّة ومهندسين ومحام ومندوب للحكومة، وعيّن فريد الصباّغ مديرًا عاما لمدة ثلاث سنوات (مرسوم 3976).
وعام 2001 أبرم أوّل عقد استشفائيّ مع وزارة الصحة العامة، بعدما كان المرضى يدفعون فاتورة الاستشفاء بكاملها. وعام 2002، وبعد التدقيق في حسابات المستشفى، سجّلت زيادة عدد حالات الاستشفاء والعمليّات بنسبة 25 في المئة، مما زاد أرباح المستشفى بشكل ملحوظ. وفي العام 2003، بدأ تفريغ القسم الأكبر من المستشفى تحضيرًا لبدء أعمال الترميم بحسب طلب مجلس الإنماء والإعمار. وبدأت عام 2004 المرحلة الأولى من ورشة إعادة التأهيل بهدف توسيع المستشفى ليحوي 120 سريرًا، ممّا استدعى الى وقف العمل في أكثر من 60 في المئة من المبنى، وقد تعهّد الملتزم تسليم النصف الأوّل من البناء بعد ستّة أشهر، لكنّه لم يفِ بتعهده وفرّ الى الخارج.
بتاريخ 3/9/2015 وضع وزير الصحّة العامة وائل أبو فاعور حجر الأساس لترميم المبنى "ب" في المستشفى، بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار وتمويل من وزارة الشؤون الخارجيّة والتعاون الدوليّ الايطاليّة والمديريّة العامّة للتعاون التنمويّ في المستشفى، وألقى رئيس مجلس الإنماء والإعمار كلمة قال فيها: " فبعد أن أنجزنا المرحلة الأولى من أشغال تأهيل مستشفى بعبدا الحكوميّ التي شملت تأهيل أقسام التوليد والعناية الفائقة والعمليّات وبعض الخدمات وقسمًا من الأسرّة، وذلك بتمويل من قرض من البنك الإسلاميّ للتنمية، بقيمة 3.15 مليون دولار، أجرينا مناقصة لتلزيم أعمال المرحلة الثانية من التأهيل وهي تشمل أقسام الطوارئ والأشعّة والمختبر والعيادات الخارجيّة والإدارة وأسرّة الاستشفاء، وجرى إرساء العقد بقيمة 3 ملايين يورو بتمويل كامل من هبة مقدمة من الحكومة الإيطاليّة". وأضاف: "هذه المبادرة من الحكومة الإيطاليّة تأتي بعد أن ساهمت إيطاليا، في وقت سابق، بتمويل بعض أشغال التأهيل الملحّة، بحدود 300 ألف يورو والتي أدّى تنفيذها إلى إحداث نقلة نوعيّة في وضعيّة هذا المستشفى. ولا بد من التنويه بأن هذا الصرح سيكون مستشفى جامعيًّا بفضل التعاون بين إدارته والجامعة اللبنانيّة التي تلعب أدوارًا حيويّة في قطاعات عدّة إلى جانب رسالة التعليم ... ".
بتاريخ 18/10/2016 افتتح وزير الصحّة العامة وائل أبو فاعور قسم الأمراض النسائيّة والتوليد في المستشفى وتحدّث مدير عام المستشفى فريد الصباغ الذي أعطى لمحة عن المستشفى موضحًا أنه مرّ بظروف صعبة وأقفل قسم كبير من أقسامه (حوالى خمسين سريرًا) بهدف الترميم، ولكن بدلا من انتهاء الترميم في سنة واحدة، استغرق عشر سنوات بعشرين سريرًا، في مقابل عدد موظفين ومصاريف ثابتة لمستشفى كامل بسبعين سريرًا، ما أدّى إلى أزمة ماليّة كبيرة، وتأخيرًا في دفع الرواتب، ما دفع بكثيرين إلى طلب إقفال المستشفى. وأضاف أنّه بفضل العناية الإلهيّة وصمود العاملين في المستشفى ودعم المحبّين، تمّ وضع خطّة إنقاذ إداريّة وماليّة بدأت على أثرها نهضة مستشفى بعبدا. وفي خلال بضع سنوات، ترمّم بتمويل من البنك الإسلاميّ الجزء الأوّل من المستشفى ومعظم البنى التحتيّة وخمسة وأربعين سريرًا، على أن ينتهي الجزء الثاني العام المقبل المموّل من الدولة الإيطاليّة لتصبح المستشفى بـ120 سريرًا. كما أشار إلى قسم يتم بناؤه حاليًّا هو مركز طبّ عيون وأسنان مموّل بهبة مخصصّة من وزير الصحّة العامّة وائل أبو فاعور للمستشفى، أمّا تطوير المعدّات الطبّيّة فيتمّ تمويله من قبل الجامعة اللبنانيّة من ضمن عقد تعاون حصريّ مقابل تعليم تلاميذ كليّة الطبّ بالمستشفى. وأوضح أن القسم الذي يتمّ افتتاحه وهو قسم الأمراض النسائيّة والتوليد، فقد تم تجهيزه بهبة من "جمعيّة الصداقة المصريّة اللبنانيّة لرجال الأعمال" ضمن اتفاق تعاون.
وطلب الصباغ من الوزير ابو فاعور المساعدة على نقل سجن النساء الذي يشغل مبنى من المستشفى، واسترجاع المباني التّي أخذتها الدولة من ١٢ سنة ولم تستخدمها فيما المستشفى بأمسّ الحاجة إليها.
لا بدّ من الإشارة إلى المقترحات التي نتقدم بها كون مكان المستشفى ضيّق نوعاً ما، إما تأهيل القسم المتبقي بعد هدمه كليّا وإما ترميمه واستخدامه كعيادات خارجيّة او غير ذلك، وفقا للميزانيّة المتوافرة. كما حفر الساحة العامّة للمستشفى لاستحداث طبقتين سفليّتين تستخدمان مواقف لسيّارات الأطبّاء والموظّفين والممرّضين والزائرين، وتستخدم الساحة حديقة وتؤهل.
وأخيراً يلاحظ الاهمال الكبير والواضح لهذا المستشفى الذي دفع فاتورة الإنماء غير المتوازن والذي سمح لمستشفيات أخرى حكوميّة بأن تحصل على عشرات ملايين الدولارات، بينما لم تحصّل هذه المؤسّسة إلّا على 3 أو 4 ملايين دولار أميركيّ، الأمر الذي أوصلها الى هذه الدرجة من التراجع.
(يراجع في ذلك، كتاب بعبدا في الصورة والوجود للكاتب جورج عبده معتوق ص 55،
ومقالات منشورة على مواقع الإلكترونية تتناول مستشفى بعبدا الحكوميّ الجامعيّ)